OAAHD

زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة وتداعياتها السياسية والأمنية على السودان

30 أبريل 2025
في ظل أزمة سياسية متفاقمة، وكارثة إنسانية تُعد من بين الأسوأ في تاريخ السودان الحديث، جاءت زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان – الذي نصّب نفسه من طرف واحد رئيسًا لمجلس السيادة – لتثير مجددًا القلق الوطني والدولي بشأن مستقبل الحكم والسلام في البلاد. فبعيدًا عن كونها خطوة دبلوماسية مشروعة، تمثل هذه الزيارة استمرارًا في عسكرة السياسة وترسيخ الحكم الاستبدادي، بدعم من تحالفات خارجية وتجذير أيديولوجي عميق. وتشكل هذه الزيارة لحظة مفصلية في مسار السودان، تكشف عن هشاشة الإطار الانتقالي، وتُبرز التهديدات الوجودية التي يشكلها تحالف الجيش مع الإسلاميين على بقاء الدولة السودانية.
أولًا: البرهان وخيانة التحول الديمقراطي
لم يكن الفريق أول عبد الفتاح البرهان يومًا حارسًا على التحول الديمقراطي، بل يُعد أحد أبرز رموز الثورة المضادة التي أجهضت آمال ما بعد الثورة. فجاء انقلابه العسكري في 25 أكتوبر 2021، الذي انتهك بوضوح الوثيقة الدستورية الموقعة خلال المرحلة الانتقالية، كتراجع متعمد عن مسار التحول الديمقراطي. وتحت قيادته، أعاد الجيش الدولة العميقة الإسلامية عبر اختراق مؤسسات الدولة المدنية والقضاء والنيابة العامة ووسائل الإعلام الرسمية بعناصر النظام البائد. وقد قوبل هذا الانقلاب بغموض دولي وتواطؤ إقليمي منحاه هامشًا واسعًا للتحرك دون محاسبة.
ثانيًا: عسكرة الدولة ومذهبتها
منذ انقلاب عام 1989 بقيادة عمر البشير، خضعت القوات المسلحة السودانية لعملية تسييس أيديولوجي مكثف، تحوّلت خلالها من مؤسسة وطنية إلى ميليشيا أيديولوجية يهيمن عليها تيار الإسلام السياسي. ويُعد البرهان نتاجًا مباشرًا لهذا التحول، حيث أشرف على استمرار سياسة تقوم على الولاء لا الكفاءة. فقد أُعطي الأفضلية في القبول بالكليات العسكرية لأبناء مناطق وأعراق محددة – غالبًا من شمال ووسط السودان – بينما تم تهميش أبناء المناطق الطرفية. كما ظلت الترقيات والمناصب العليا حكرًا على الموالين للحركة الإسلامية، وتمت إحالة الضباط المنحدرين من مناطق مهمشة إلى التقاعد أو تم تهميشهم. وقد أفرغ هذا التحيّز البنيوي الجيش من طابعه الوطني، وحوّله إلى جهاز مذهبي مسيّس.
ثالثًا: سجل حافل بالجرائم والانتهاكات
يحمل البرهان سجلًا عسكريًا مثقلًا باتهامات موثقة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، خصوصًا في إقليم دارفور. فقد ورد اسمه كقائد ميداني متورط في حملات تطهير عرقي وعمليات عسكرية أدت إلى مذابح واسعة في صفوف المدنيين. وتربط تقارير وشهادات صادرة عن منظمات حقوقية دولية بين البرهان وهذه الجرائم التي وقعت تحت إشراف الفريق محمد أحمد الدابي، أحد كبار رموز النظام البائد. وعلى الرغم من وفرة الأدلة، لم يُتخذ أي إجراء قانوني دولي فعّال لمساءلته، مما شجع على استمرار الانتهاكات، وكرّس ثقافة الإفلات من العقاب داخل المؤسسة العسكرية.
رابعًا: هندسة الفوضى لتقويض الحكم المدني
أحد أخطر تكتيكات البرهان كان تقويض الحكومة الانتقالية من الداخل عبر إشاعة الفوضى. فقد سهل انتشار الجريمة المنظمة، وغض الطرف عن نشاط الجماعات المسلحة، وساهم في تدمير البنية التحتية للدولة. كما استحوذت الشركات العسكرية المملوكة للجيش على معظم الموارد الوطنية دون رقابة أو شفافية. وقد أكد رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك أن نحو 82% من إيرادات الدولة كانت تذهب إلى الجيش خارج الموازنة الرسمية. هذا الاقتصاد الموازي لم يثري القيادات العسكرية فحسب، بل أضعف مؤسسات الحكم المدني وجعلها عاجزة أمام الشعب.
خامسًا: تحالف القاهرة وتقويض السيادة الوطنية
تكشف زيارة البرهان الأخيرة إلى القاهرة عن تحالف استراتيجي متزايد بين القيادة العسكرية السودانية ونظام الرئيس عبد الفتاح السيسي في مصر. ويُظهر الدعم المصري العلني للجيش السوداني وجود أجندة إقليمية تسعى لإعادة إنتاج الحكم الاستبدادي على حساب أي إصلاح ديمقراطي. هذا الدعم الخارجي للنظام العسكري يقوّض الإرادة الشعبية السودانية، ويجعل من القاهرة طرفًا غير محايد وغير مؤهل للعب أي دور في عملية السلام. كما يبعث برسالة خطيرة مفادها أن عسكرة الحكم باتت نمطًا مقبولًا إقليميًا، مما يهدد التحولات الديمقراطية في القرن الإفريقي بأكمله.
سادسًا: حرب 15 أبريل – هجوم محسوب ضد حليف سابق
لم تكن الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 تطورًا عفويًا، بل جاءت نتيجة خطة مدروسة تهدف إلى تصفية قوات الدعم السريع، الحليف الأمني السابق للجيش. وقد تصاعدت التوترات بين البرهان وقائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) نتيجة رفض الأخير الخضوع الكامل لجيشٍ تهيمن عليه عناصر الإسلام السياسي. وبدلًا من البحث عن حل سياسي، أطلق البرهان حربًا شاملة وأعاد تفعيل شبكات المليشيات السابقة تحت تسميات وتنظيمات جديدة، وبمشاركة مباشرة من أحمد هارون، المطلوب دوليًا بتهم ارتكاب جرائم حرب. وقد تحولت هذه الحرب إلى كارثة وطنية، تسببت في موجات نزوح غير مسبوقة ومجاعة وانهيار مجتمعي واسع.
خاتمة وتوصيات
تعكس زيارة الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى القاهرة وسلسلة تحركاته السياسية اللاحقة استراتيجية أوسع تهدف إلى ترسيخ الحكم العسكري تحت غطاء الشرعية الدبلوماسية. وتسعى هذه الاستراتيجية إلى إعادة إنتاج النظام القديم بصيغة جديدة، على حساب ثورة ديسمبر 2018 وتطلعات الملايين من السودانيين الذين خرجوا إلى الشوارع طلبًا للكرامة والحرية والعدالة.
وبناءً على ما سبق، نوصي بما يلي:
1.رفض كافة أشكال الاعتراف الدولي أو الإقليمي بالبرهان كونه أحد أبرز مهندسي الثورة المضادة والصراع الحالي.
2.تعليق جميع أشكال الدعم السياسي والعسكري المصري المقدم للقوات المسلحة السودانية، باعتبار أن القاهرة طرف مباشر في النزاع وليست وسيطًا نزيهًا.
3.فتح تحقيقات دولية حول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها البرهان وحلفاؤه العسكريون في دارفور ومناطق أخرى منذ بدء الحرب.
4.فرض رقابة مالية دولية على الشركات العسكرية، وإلزامها بالشفافية وتحويل عائداتها إلى حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيًا.
5.عقد مؤتمر وطني شامل يضم كافة المكونات السودانية – مدنية وعسكرية ومجتمعات مهمشة – دون إقصاء داخلي أو تدخل خارجي، بهدف صياغة عقد اجتماعي جديد يقوم على العدالة والمواطنة والتمثيل المتساوي.
لقد أثبت الشعب السوداني، في أكثر من لحظة تاريخية مفصلية، أنه يمتلك وعيًا سياسيًا متقدمًا وإرادة لا تُقهر في مواجهة الاستبداد، مهما كانت أدوات القمع أو تحالفات الطغاة. فمنذ اندلاع ثورته المجيدة في ديسمبر 2018، وهو يقدم أروع نماذج الصمود والتضحية من أجل تحقيق الحرية والعدالة والكرامة، رافضًا بوضوح أي محاولة للارتداد نحو أنظمة الحكم العسكري أو إعادة إنتاج الاستبداد بثوب جديد. وقد أكدت الجماهير، في المدن والأطراف على حدٍ سواء، أن كلفة العودة إلى الوراء أثقل من أن تُحتمل، وأنهم مستعدون لدفع ثمن الحرية من جديد، إن تطلب الأمر.
وفي هذا المنعطف الحرج من تاريخ السودان، لا مجال للحياد الأخلاقي أو الغموض السياسي من قِبَل المجتمع الدولي. فالموقف الآن لا يحتمل المنطقة الرمادية: إما الاصطفاف إلى جانب إرادة شعب يسعى إلى بناء دولة القانون والمواطنة والعدالة، أو التواطؤ – عن قصد أو تقاعس – في إعادة إنتاج نظام لفظه التاريخ وأدانته القيم الإنسانية. إن الصمت الدولي أو التغاضي عن جرائم الحرب والانقلابات لا يُعدّ حيادًا، بل شراكة فعلية في تمكين الاستبداد وإطالة أمد المعاناة.
وعليه، فإن مسؤولية المجتمع الدولي لا تقتصر على البيانات أو التصريحات الدبلوماسية، بل تتطلب اتخاذ مواقف ملموسة وشجاعة، تعكس احترام إرادة الشعوب ورفض محاولات الهيمنة والقهر. فالسودانيون لم يثوروا طلبًا للفتات، بل من أجل كسر حلقة الظلم التاريخية، ولهم الحق الكامل في أن يجدوا من العالم دعمًا حقيقيًا لا يخضع لحسابات المصالح الضيقة أو المحاور الجيوسياسية العابرة.
للتواصل: مع
المنظمة الافريقية الاوروبية للعمل الٳنساني والتنمية
البريد الٳكتروني: Email: oaahd11@gmail.com
وتساب:+33753936781
https://Oaahd.com
https://oaahd.org/en

التعليقات مغلقة.