OAAHD
تتفاقم أزمة النازحين داخليًا يومًا بعد يوم

أوضاع النازحين داخليًا في دارفور

المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية

أوضاع النازحين داخليًا في دارفور

12 أبريل 2025

في خضم النزاعات المسلحة المتواصلة في السودان، وعلى وجه الخصوص في إقليم دارفور، تتفاقم أزمة النازحين داخليًا يومًا بعد يوم، في ظل ضعف مؤسسات الدولة، وتراخي الحماية القانونية، وانعدام الإرادة السياسية في حماية المدنيين الذين هُجّروا قسرًا من قراهم وديارهم نتيجةً للحروب والانتهاكات الممنهجة التي تعرّضت لها مناطقهم منذ العام 2003 وحتى ما بعد اندلاع الحرب الأخيرة في 15 أبريل 2023.

النازحون داخليًا هم أولئك الأشخاص الذين اضطروا إلى مغادرة مناطق سكنهم الأصلية نتيجةً للنزاع المسلح أو العنف أو الكوارث الطبيعية، دون أن يتجاوزوا الحدود الدولية المعترف بها. وبذلك، فهم يختلفون قانونيًا عن اللاجئين، ولكنهم يواجهون تحديات مشابهة، بل وأكثر حدة، من حيث غياب الحماية الدولية الصريحة، مما يجعلهم في وضع هشّ للغاية. وبحسب المبادئ التوجيهية بشأن النزوح الداخلي، المعتمدة من الأمم المتحدة في عام 1998، يجب احترام حقوق النازحين في الحماية والمساعدة الإنسانية، والامتناع عن إجبارهم على العودة القسرية إلى مناطقهم ما لم تتوفر ظروف العودة الآمنة والطوعية والكريمة.

وتُعد اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والبروتوكولان الإضافيان الأول والثاني لعام 1977، من الركائز الأساسية في القانون الدولي الإنساني، حيث تحظر التهجير القسري للمدنيين، وتُلزم أطراف النزاع المسلح باتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية السكان المدنيين. كما نصّت اتفاقية كمبالا للاتحاد الإفريقي لعام 2009 بشأن حماية ومساعدة النازحين داخليًا، على مسؤولية الدول في منع النزوح، وتوفير الحماية للنازحين، وضمان حصولهم على الخدمات الأساسية، بما فيها الغذاء، والصحة، والمأوى، والتعليم، وضمان عدم التمييز ضدهم على أساس وضعهم كنازحين.

وفي دارفور، يُقدَّر عدد النازحين داخليًا، حسب تقارير منظمات دولية إنسانية، بأكثر من 3.5 مليون نازح حتى نهاية عام 2023، وهو رقم مرشح للزيادة في ظل استمرار النزاع، خصوصًا في ولايات شمال وجنوب وشرق دارفور. وتنتشر معسكرات النزوح في مناطق متعددة، أبرزها معسكر زمزم، الذي يُعد من أكبر معسكرات النزوح في شمال دارفور، ويؤوي ما يزيد عن نصف مليون نازح، إلى جانب معسكرات “أبو شوك”، و”كلمة” في ولاية جنوب دارفور، و”الحصاحيصا” و”السريف” في وسط دارفور، إضافة إلى معسكرات “كريو”، و”النيم”، و”عديلة”، و”ياسين” في ولاية شرق دارفور.

وتعاني هذه المعسكرات من ظروف إنسانية قاسية، تتجلى في انعدام الغذاء الكافي، وشُحّ المياه الصالحة للشرب، وانهيار المنظومة الصحية، وضعف التعليم، وتزايد معدلات العنف الجنسي ضد النساء والفتيات، فضلًا عن تكرار موجات النزوح داخل المعسكرات نفسها بسبب الهجمات المسلحة، أو بسبب الضغوط الممارسة لإفراغ المعسكرات من سكانها، كما تفعل حكومة بورتسودان، التي تسعى منذ سنوات طويلة إلى إغلاق المعسكرات عبر فرض سياسات تهدف إلى محو الآثار القانونية والسياسية لجرائم التطهير العرقي والتهجير القسري، التي وقعت منذ العام 2003.

تُشير شهادات ميدانية موثوقة إلى أن العديد من الشهود الرئيسيين، ويقيم بعضهم في معسكرات النزوح الداخلية، والصف الثاني من المسؤولين عن الجرائم، قد تم اغتيالهم بصورة ممنهجة من قبل جهاز الأمن والمخابرات التابع للنظام السابق، أو عبر مجموعات تعمل بتنسيق مباشر مع أجهزة الدولة العميقة، وكان آخرهم الوالي الأسبق جعفر عبدالحكم، الذي أُغتيل في حادث حركة مدبّر في بورتسودان، في حين نجا علي كوشيب من محاولتي اغتيال، الأمر الذي أرغمه على تسليم نفسه لمحكمة الجنايات الدولية، ما يثير تساؤلات حول رغبة الدولة في إحقاق العدالة، أو على الأقل الحفاظ على الشهود لإجلاء الحقيقة.

بعد اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، أصبحت بعض معسكرات النزوح، وبالأخص معسكر زمزم، بؤرًا عسكرية تستغلها بعض الجهات لتجنيد السكان المحليين، وتوزيع السلاح، وحتى تدريب النساء والأطفال على استخدام الأسلحة، تحت غطاء “المقاومة الشعبية”، وهو ما أدى إلى خرق مبدأ الحياد الإنساني الذي يجب أن تتمتع به معسكرات النزوح، وجعل النازحين عرضة للقصف والاشتباكات، وأفقد هذه المعسكرات صفتها كأماكن آمنة.

في شمال دارفور، اتُفق على بقاء الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام على الحياد، والتزامها بحماية المدنيين والمساعدة في بسط الأمن، غير أن بعض هذه الحركات خرقت الاتفاق، وانحازت إلى الجيش، بل شاركت في الهجوم على قوات الدعم السريع وبعض القوات الشريكة في الحماية، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات عنيفة في مدينة الفاشر، خلفت آلاف الضحايا، وشردت آلافًا آخرين من المدنيين.

وفي خضم هذه الفوضى، استغلت بعض الأطراف المدنيين كدروع بشرية، أو تم تحريضهم على البقاء في مناطق الاشتباك بدلًا من النزوح المؤقت، مما ساهم في ارتفاع أعداد القتلى والجرحى، وأضعف الجهود الإنسانية التي تسعى لحمايتهم وتقديم العون لهم.

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، فإن عددًا كبيرًا من معسكرات النزوح في دارفور ما تزال تشهد حالة من الاستقرار النسبي، حتى في ظل سيطرة قوات الدعم السريع عليها، حيث لم تُسجّل انتهاكات ممنهجة بحق المدنيين، باستثناء حالات فردية تتعلق بسرقة الممتلكات أو انتهاكات تقع خارج نطاق الأوامر القيادية. هذه المعسكرات تعيش واقعًا مركبًا يتأرجح بين الحاجة إلى الحماية من الانتهاكات، وبين خطر الاستغلال العسكري من قبل أطراف النزاع المختلفة.

إن الوضع الإنساني والقانوني للنازحين داخليًا في دارفور يحتاج إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي، من خلال الضغط على أطراف النزاع لاحترام القانون الدولي الإنساني، ووقف استهداف المعسكرات، والامتناع عن تحويلها إلى نقاط انطلاق للعمليات العسكرية. كما أن على بعثة الأمم المتحدة والشركاء الإقليميين متابعة تنفيذ التزامات السودان بموجب اتفاقية كمبالا، وضمان إنشاء آليات وطنية لحماية النازحين، تضمن مشاركتهم في القرارات المتعلقة بمصيرهم، وتوفر لهم السكن، والغذاء، والتعليم، والرعاية الصحية، والأمن، كحدٍّ أدنى من الكرامة الإنسانية.

كما تُطالب المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية الجهات الدولية، وعلى رأسها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمكتب الإنساني للأمم المتحدة، بالتحرك الفوري لتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها النازحون في معسكراتهم، لا سيما في شمال وشرق دارفور، والعمل على تشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق، تمهيدًا لمساءلة جميع الأطراف المتورطة، وتقديم المسؤولين عن استهداف النازحين إلى العدالة الدولية.

صادر عن: المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية
التاريخ: 3 فبراير 2025
البريد الإلكتروني: ae_organization@proton.me
https://Oaahd.com
https://oaahd.org/en
واتساب: +33 7 58 18 56 87

التعليقات مغلقة.