OAAHD

15 أبريل: الطعنة الأخيرة في جسد الوطن المنهك

المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني و التنمية
15 أبريل: الطعنة الأخيرة في جسد الوطن المنهك
إنّ حرب الخامس عشر من أبريل لم تكن حدثًا مفاجئًا أو شذوذًا في تاريخ السودان، بل كانت حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الحروب التي صاغتها نخب سياسية وعسكرية متمركزة في الوسط والشمال، لا لغرض وطني أو مصلحة شعبية، بل لصيانة هيمنتهم على السلطة والثروة. كلّما خمدت حرب وأرهق الناس من لهيبها، أشعلوا نارًا جديدة، وكأنهم لا يتنفسون إلا في أجواء الدم والخراب.
منذ فجر الاستقلال، لم يذق السودان طعم السلام الحقيقي. كانت البلاد، ولا تزال، تتنقّل من نزاع إلى آخر، ومن انقلاب إلى ثورة، ثم إلى حرب جديدة. وكان الجيش السوداني، عبر تاريخه، الأداة الأكثر فاعلية لقمع تطلعات الشعب، والسيف المسلول على رقاب المهمشين. هذا الجيش لم يكن يوماً جيش الأمة، بل كان مستعمرة داخل الدولة، تقودها أقلية من الجنرالات القادمين من الشمال، بينما يُزج بالغالبية من أبناء الهامش في ساحات الموت، دون كرامة ولا حقوق.
جنوب السودان دفع ثمناً باهظاً للحرب. قُتِل عشرات الآلاف من أبنائه، حتى استحال العيش في ظل دولة موحدة، فاختاروا الانفصال بعدما ضاقت الأرض بما رحبت. وجبال النوبة والنيل الأزرق أصبحتا معازل محاصرة، تديرها سلطات كأنها خارج حدود الوطن، بعد أن ضاقت ذرعاً بجبروت المركز. أما دارفور، فقد ذاقت كل ألوان الجحيم. أُحرِقت قراها، ودُمرت بنيتها التحتية، وتحوّل نسيجها الاجتماعي المتماسك إلى شتات، وكل ذلك تحت أعين النخبة المترفة التي لم تعرف من التاريخ سوى امتيازاته، ومن الوطنية سوى الشعارات.
لقد مرّ الجيش السوداني بتحولات شتى؛ من الخضوع المباشر للضباط المصريين في بداياته، إلى الارتهان للإملاءات الخارجية، والتي لم تجد أداة أنسب منها للعبث بمصير الشعب من خلال الانقلابات المتكررة، التي وأدت كل حلم ديمقراطي في مهده. أما في الداخل، فقد تم تدجينه أيديولوجيًا، بين أقصى اليمين الديني وأقصى اليسار، ليُستخدَم في صراعات لا شأن له بها، وينحرف عن دوره الوطني النبيل.
في كل دول العالم، يُنظر إلى الجيوش الوطنية باعتبارها حصن الشعب وسياجه الواقي، إلا في السودان؛ حيث تحوّل الجيش إلى مؤسسة تجارية جشعة، لا ترى في الوطن سوى فرصة للثراء السريع، ولا في المواطنين سوى وسيلة لتضخيم أرصدتها. ظلّ الجنرالات في بحبوحة من الثراء، بينما يُدفع بالجنود إلى ساحات الموت بجوعهم وملابسهم البالية. بعد انقلاب يونيو 1989، فقد الجيش السوداني شرفه المهني، حين تسلّلت الحركة الإسلامية إلى مفاصله، وصارت ميزانيته تدار كأنها صندوق خاص للحزب. لم يعد للجندي مكانته، حتى أن بعضهم بات يتسوّل قوت يومه في الطرقات. صار الجيش السوداني شركة كبرى تتاجر في كل شيء: الذهب، الوقود، الغذاء، وحتى معاناة الفقراء.
وقد صدق الدكتور عبدالله حمدوك، حينما قال في أحد لقاءاته: “إن 82% من أموال الدولة لا تدخل خزينة الدولة، بل تُدار عبر استثمارات الجيش التي لا تخضع لأي نوع من الرقابة أو الشفافية.” إنها شهادة تقطع الشك باليقين: لقد اختُطف الجيش من دوره، واختُطف الوطن بأكمله معه.
إنّ ما يحدث اليوم ليس مجرد صراع بين قوتين مسلحتين، بل هو انفجار متأخر لغضب تاريخي تراكم عبر عقود، وفشل نظام ظلّ يحكم بالحديد والنار، ويعيش على تقسيم البلاد وتهميش غالبية أهلها. ما لم يتم تفكيك هذه المنظومة العسكرية-الاقتصادية-الأيديولوجية التي تحكم من وراء الستار، فلن يعرف السودان السلام.
إن المأساة التي يعيشها السودان اليوم، ليست قدراً مقدوراً، بل نتيجة تراكمات ظلم ممنهج، وتخطيط دقيق لإقصاء الأغلبية وتدجين الوطن لخدمة أقلية متسلطة. وما لم يُكسر هذا القيد الذي كبّل الإرادة الوطنية لعقود، سيظل الوطن يدور في فلك الحروب، ويظل الشعب وقوداً لنار لا يريدها ولا يملك قرار إطفائها.
لقد آن الأوان أن ينهض السودانيون جميعاً ــ في المركز والهامش، في الداخل والخارج ــ لهدم هذا الهيكل المريض الذي يُسمى “جيشاً وطنياً”، وهو في حقيقته محمية خاصة للنخبة، ومؤسسة تجارية تحتل الدولة وتغتال حلمها في النهوض.
نطالب بـ:
•تفكيك البنية الاقتصادية والعقائدية للجيش السوداني وتحويله إلى مؤسسة وطنية مهنية خاضعة لحكم مدني رشيد.
•إخضاع كل استثمارات الجيش، الحالية والسابقة، لمراجعة شاملة تُعيد الحقوق المنهوبة إلى خزينة الشعب.
•بناء جيش جديد بعقيدة وطنية، يمثل كل جهات السودان دون تمييز، مهمته الوحيدة حماية الحدود لا قمع المواطنين.
•إجراء تحقيقات مستقلة في كل الجرائم التي ارتكبتها القوات النظامية منذ الاستقلال وحتى اليوم، وتقديم الجناة إلى محاكمات عادلة.
•إيقاف الحرب فوراً، وتحقيق سلام شامل يعيد الاعتبار للمهمشين، ويضع أسس دولة المواطنة والعدالة.
إننا في المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية، نؤمن بأن بناء السودان الجديد يبدأ من الحقيقة والاعتراف، لا من دفن الجراح تحت رماد الأكاذيب. وسنظل نناضل من أجل وطن لا يُحكم بالدبابة، ولا تُغتال فيه الكرامة باسم الوحدة الزائفة أو الأمن المزعوم.                    للتواصل: مع
المنظمة الافريقية الاوروبية للعمل الٳنساني والتنمية
البريد الٳكتروني: Email: oaahd11@gmail.com
وتساب:+33753936781
https://Oaahd.com
https://oaahd.org/en

التعليقات مغلقة.