المنظمة الإفريقية الأوروبية للعمل الإنساني والتنمية من الهامش إلى الصدارة: ملامح الوعي السياسي الأفريقي في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة (UNGA80) — نيويورك، سبتمبر 2025 26 سبتمبر 2025
26 سبتمبر 2025
انعقدت الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة في ظرف دولي مضطرب يتأرجح بين تصاعد النزعات القومية الاقتصادية، واتساع النزاعات المسلحة، وتفاقم الأزمات الإنسانية، في ظل ضعف متزايد في أدوات الحوكمة متعددة الأطراف. وفي هذا السياق، جاء الصوت الأفريقي أكثر وضوحًا وقوة، إذ لم يقتصر على المطالبة بالإنصاف، بل عبّر عن إرادة لإعادة صياغة قواعد النظام الدولي بما يضمن للقارة موقعًا مستحقًا في موازين القوة العالمية.
شكل إصلاح مجلس الأمن محورًا مركزيًا في الخطابات الأفريقية، حيث أجمعت المداخلات على رفض استمرار هيكلية ما بعد الحرب العالمية الثانية. قال الرئيس الكيني ويليام روتو: «إصلاح مجلس الأمن ليس خدمة لأفريقيا أو لأي طرف؛ إنه شرط لبقاء الأمم المتحدة ذاتها». وقد عكست هذه العبارة نبرة جديدة تتجاوز الطابع التقريري إلى طرح يتأسس على شرعية تاريخية وواقعية سياسية، ويضع مصداقية الأمم المتحدة أمام اختبار وجودي.
إلى جانب ذلك، برزت المطالب المتعلقة بالعدالة المالية والمناخية. لم يعد الحديث مقتصرًا على تخفيف عبء الديون، بل تصاعدت الدعوات إلى إعادة هندسة النظام المالي الدولي بأسره. وأكد القادة أن التمويل المناخي يجب أن يكون أداة إنصاف لا وسيلة إملاء، وأن الحق في التنمية والسيادة الاقتصادية لم يعد قابلًا للمساومة. التحول في اللغة كان واضحًا: من خطاب الاستجداء إلى خطاب الحق، ومن موقع التابع إلى موقع الشريك.
أما قضايا السلام والأمن، فقد احتلت حيزًا بارزًا في خطابات الرؤساء، خاصة مع استمرار النزاعات في السودان والساحل والقرن الأفريقي. صدرت نداءات لوقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، وضمان تمويل إنساني عادل. وشددت مداخلات مؤسسات صحية أفريقية، وعلى رأسها Africa CDC، على أن الأمن الصحي جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن الشامل، خصوصًا بعد دروس جائحة كوفيد-19.
وفي ملف التجارة والموارد الاستراتيجية، جاء خطاب الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا محوريًا بقوله: «التجارة تُستخدم اليوم كسلاح — وهذا يقوّض الاقتصادات الفتية ويفاقم عدم المساواة؛ نحن نطالب بسياسات تجارية عادلة تحمي التنمية». فيما ركزت نيجيريا على المعادن الاستراتيجية مثل الليثيوم والكوبالت، مؤكدة أن القيمة المضافة يجب أن تُبنى داخل القارة لا أن تُهدر عبر تصدير المواد الخام بثمن بخس.
الجانب الحقوقي كان حاضرًا أيضًا، حيث دعت عدة خطابات إلى تفعيل آليات العدالة الدولية ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب، مع بناء مؤسسات قضائية مستقلة وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان واللاجئين والنازحين، باعتبار أن العدالة شرطٌ للتنمية وليست بندًا ثانويًا.
أما من حيث مستوى التمثيل، فقد شارك معظم الرؤساء الأفارقة أو ممثليهم رفيعي المستوى، وهو ما يعكس إدراكًا لأهمية الدورة. مع ذلك، سُجّل غياب بعض القادة المعروفين بعزوفهم المتكرر عن المحافل الدولية مثل رئيس إريتريا إسياياس أفورقي، حيث مثّلت بلاده بوفد وزاري. وفي حالة السودان، تولى وفد حكومة الأمر الواقع في بورتسودان التمثيل بدلًا عن رئيس الدولة. إلا أن هذه المشاركة أثارت جدلًا واسعًا في أروقة الجمعية العامة وبين منظمات حقوقية دولية، حيث برزت أصوات عالمية نادت بتحجيم تمثيل حكومة بورتسودان باعتبارها تفتقر إلى الشرعية السياسية والدستورية، في ظل استمرار الحرب والانقسام الداخلي، ما أضعف رسالتها السياسية على المستوى الأممي.
كما برز صوت الاتحاد الأفريقي والمؤسسات القارية، مؤكدًا على الموقف الجماعي المعروف باسم A3 داخل مجلس الأمن، ومجدِّدًا المطالبة بمقعد دائم للقارة في المجلس. هذا البعد الجماعي أضفى على الخطاب الأفريقي زخمًا إضافيًا، بما يتجاوز المواقف الفردية للرؤساء.
إلى جانب ذلك، لم تغب قضايا الهجرة والنزوح القسري، حيث شددت بعض المداخلات على أن استمرار الحروب والفقر والتغير المناخي يدفع ملايين الأفارقة إلى الهجرة غير النظامية، ما يتطلب معالجة شاملة تتجاوز الحلول الأمنية الضيقة إلى سياسات تنموية عادلة.
تُظهر هذه الدورة أن الخطاب الأفريقي دخل مرحلة جديدة: خطاب أكثر ثقة، مطالب أكثر وضوحًا، ورؤية تسعى لإعادة التوازن في النظام الدولي. لم تعد أفريقيا مجرد متلقية للقرارات، بل باتت تقدم نفسها كفاعل يسعى لفرض أجندته، والدفاع عن مستقبلها بوعي وندية ومسؤولية تاريخية. ويمثل التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة ترجمة هذا الوعي الجديد إلى مواقف تفاوضية موحدة، بما يضمن للقارة حضورًا فاعلًا في إعادة تشكيل النظام الدولي.
للتواصل: مع
المنظمة الافريقية الاوروبية للعمل الٳنساني والتنمية
البريد الٳكتروني: Email: oaahd11@gmail.com
وتساب:+33753936781
https://Oaahd.com
https://oaahd.org/en
التعليقات مغلقة.