من الذي سرق بنية كهرباء الخرطوم التحتية؟
في ظلال الدخان المتصاعد من الخرطوم، التي تعيش منذ أبريل 2023 على وقع حربٍ طاحنة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، جرت واحدة من أبشع الجرائم الاقتصادية في تاريخ البلاد الحديث: سرقة وتدمير البنية التحتية لشبكة الكهرباء في العاصمة. لم يكن الأمر مجرد نهب عشوائي في لحظة انهيار أمني، بل جريمة منظمة، متسلسلة، نُفذت بعناية فائقة على يد شبكة تمتد من الفني المتخصص في الميدان إلى المصدّر الرسمي في الميناء، ومن الجندي المسيطر على الأرض إلى المسؤول الصامت في أعلى هرم الدولة.
منذ منتصف عام 2023، بدأت التقارير تتواتر حول سرقة محطات التحويل الكهربائية، المحولات الضخمة، والكوابل الأرضية الممتدة على مئات الكيلومترات. وزارة الطاقة حينها، وعلى لسان مسؤوليها، أكدت أن ما يُنفذ لا يمكن أن يكون عملاً عشوائيًا. فعملية تفريغ زيوت المحولات – وهي مواد كيميائية حساسة تستخدم للتبريد والعزل – تحتاج لفنيين ذوي خبرة، وكذلك الحال بالنسبة لفصل الكوابل النحاسية دون إتلافها. لم تكن السرقة عملاً فوضويًا، بل عملية دقيقة شارك فيها أشخاص على معرفة تامة بمكونات منظومة الكهرباء.
ومع تفشي الظاهرة، بدأ ظهور مشتريين محليين للنحاس الخام في السوق السودانية، وهم تجار معروفون في قطاع الخردة. اشتروا النحاس المستخرج من المسروقات بأسعار لا تتجاوز 500 دولار للطن، بينما بيع لاحقًا في السوق العالمية – خاصة في الإمارات – بأكثر من 6000 دولار للطن. هؤلاء لم يتحركوا من فراغ، بل انخرطوا في سلسلة منظمة تبدأ بالتخزين والنقل وتصل إلى التصدير. ولأن صادرات النحاس تمر حصرًا عبر نظام رسمي، فذلك لا يتم دون سجل صادر، إذن تصدير، ونموذج EX صادر من بنك السودان المركزي.
في تقرير نُشر بصحيفة “العربي الجديد” بتاريخ 4 فبراير 2024، نقلت الصحيفة نص خطاب رسمي من وزيرة الصناعة المكلفة حينها، الدكتورة آمال صالح سعد، إلى رئيس الوزراء المكلف وقتها، السيد حسين عيسى أبوصالح، تحذر فيه من عمليات نهب منظمة تستهدف البنية الكهربائية وتُصدَّر عبر ميناء بورتسودان تحت غطاء قانوني باعتبارها “خردة”. أما صحيفة “اندبندنت عربية”، في تقرير بتاريخ 13 فبراير 2024، فأشارت بوضوح إلى أن معظم شحنات النحاس المسروقة شُحنت إلى ميناء جبل علي في الإمارات، وبعضها مر عبر كينيا، مؤكدة أن العملية جرت بعلم وتسهيلات من جهات رسمية.
بورتسودان، التي تُعد نقطة الخروج الوحيدة للصادرات السودانية منذ اندلاع الحرب، تقع بالكامل تحت سيطرة الجيش والحكومة المؤقتة. لا يمكن مرور أطنان من النحاس الخام دون علم وزارة المالية أو دون أن يراقبها بنك السودان. وحتى الجهات الأمنية، بما فيها جهاز……بقلم: م/ وليد الريح
التعليقات مغلقة.